بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين
وبعد
كثيرا ما نسمع كلمة القراءات العشر للقرآن الكريم وكثيرا ما نسمع قارئ يقرأ بطريقة لم تعتاد أذننا علي الاستماع لها أو لم تدركها آذاننا وعقولنا وكثيرا ما قلنا كيف يقرأ هذا القارئ بهذه الطريقة وهنا يأتي الجواب السريع ليقول لك ان هناك عشر طرق مختلفة لقراءة القرآن الكريم .
فقد روى البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ( سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة "الفرقان" في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره - أي أثب عليه - في الصلاة فصبرت حتى سلم فلبّبته بردائه - أي أمسك بردائه من موضع عنقه - فقلت: من أقرأك هذه السورة ؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأ فيها فقال: أرسله - أي اتركه - اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال: كذلك أنزلت ثم قال: اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال: كذلك أنزلت إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه) .
وقد أجمع أهل العلم على أن القرآن الكريم نقل إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم بروايات متعددة متواترة ووضع العلماء لذلك علما أسموه علم "القراءات القرآنية" بينوا فيه المقصود من هذا العلم وأقسام تلك القراءات وأنواعها وأهم القراء الذين رووا تلك القراءات إضافة لأهم المؤلفات التي دوّنت في هذا المجال.
والقراءات لغة جمع قراءة وهي في الأصل مصدر الفعل "قرأ" أما المقصود من علم القراءات في اصطلاح العلماء فهو العلم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها منسوبة لناقلها.
وقد قسّم أهل العلم القراءات القرآنية إلى قسمين رئيسين هما: القراءة الصحيحة والقراءة الشاذة.
أما القراءة الصحيحة فهي القراءة التي توافرت فيها ثلاثة أركان هي:
- أن توافق وجها صحيحا من وجوه اللغة العربية.
- أن توافق القراءة رسم مصحف عثمان رضي الله عنه.
- أن تنقل إلينا نقلا متواترا أو بسند صحيح مشهور.
فكل قراءة استوفت تلك الأركان الثلاثة كانت قراءة قرآنية تصح القراءة بها في الصلاة ويتعبّد بتلاوتها. وهذا هو قول عامة أهل العلم.
أما القراءة الشاذة فهي كل قراءة اختل فيها ركن من الأركان الثلاثة المتقدمة.
وهناك قسم من القراءات توقف فيه وهو القراءة التي صح سندها ووافقت العربية إلا أنها خالفت الرسم العثماني. ويدخل تحت هذا القسم ما يسمى ب "القراءات التفسيرية" وهي القراءة التي سيقت على سبيل التفسير كقراءة سعد بن أبي وقاص قوله تعالى:{ وله أخت }(النساء:176) فقد قرأها: (وله أخت من أم) وقراءة ابن عباس قوله تعالى:{ وكان وراءهم مّلك يأخذ كلّ سفينة غصبا * وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين }(الكهف:79-80) حيث قرأها: (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا*وأما الغلام فكان كافرا).
قال العلماء: المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها كقراءة عائشة و حفصة قوله تعالى:{ حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى }(البقرة:238) قرأتا: (والصلاة الوسطى صلاة العصر) وقراءة ابن مسعود قوله تعالى:{ فاقطعوا أيديهما }(المائدة:38) قرأها: (فاقطعوا أيمانهما) وقراءة جابر قوله تعالى:{ فإنّ اللّه من بعد إكراههنّ غفور رّحيم }(النور:33) قرأها: (من بعد إكراههن لهن غفور رحيم). فهذه الحروف - القراءات - وما شابهها صارت مفسّرة للقرآن.
وقد اتفقت كلمة أهل العلم على أن ما وراء القراءات العشر التي جمعها القراء شاذ غير متواتر لا يجوز اعتقاد قرآنيته ولا تصح الصلاة به والتعبد بتلاوته إلا أنهم قالوا: يجوز تعلّمها وتعليمها وتدونيها وبيان وجهها من جهة اللغة والإعراب.
والقراءات التي وصلت إلينا بطريق متواتر عشر قراءات نقلها إلينا مجموعة من القراء امتازوا بدقة الرواية وسلامة الضبط وجودة الإتقان وهم:
قراءة نافع المدني وأشهر من روى عنه قالون و ورش .
قراءة ابن كثير المكي وأشهر من روى عنه البزي و قنبل .
قراءة أبي عمرو البصري وأشهر من روى عنه الدوري و السوسي .
قراءة ابن عامر الشامي وأشهر من روى عنه هشام و ابن ذكوان .
قراءة عاصم الكوفي وأشهر من روى عنه شعبة و حفص .
قراءة حمزة الكوفي وأشهر من روى عنه خلف و خلاّد .
قراءة الكسائي الكوفي وأشهر من روى عنه أبو الحارث و حفص الدوري .
قراءة أبي جعفر المدني وأشهر من روى عنه ابن وردان و ابن جمّاز .
قراءة يعقوب البصري وأشهر من روى عنه رويس و روح .
قراءة خلف وأشهر من روى عنه إسحاق و إدريس .
وكل ما نسب لإمام من هؤلاء الأئمة العشرة يسمى (قراءة) وكل ما نسب للراوي عن الإمام يسمى (رواية) فتقول مثلا: قراءة عاصم براوية حفص وقراءة نافع برواية ورش وهكذا.
وذكر ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" أن القراءات التي يقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام هي: قراءة نافع براوية قالون في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري وفي ليبيا. وبرواية ورش في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري وفي جميع القطر الجزائري وجميع المغرب الأقصى وما يتبعه من البلاد والسودان. وقراءة عاصم براوية حفص عنه في جميع المشرق وغالب البلاد المصرية والهند وباكستان وتركيا والأفغان قال - والكلام ل ابن عاشور -: ومن المعتقد أن قراءة أبي عمرو البصري يقرأ بها في السودان المجاور لمصر.
وقد ألّف العلماء في علم القراءات تآليف عدة وكان أبو عبيد - القاسم بن سلاّم - من أوائل من قام بالتأليف في هذا العلم حيث ألّف كتاب "القراءات" جمع فيه خمسة وعشرين قارئا. واقتصر ابن مجاهد على جمع القرّاء السبع فقط. وكتب مكي بن أبي طالب كتاب "التذكرة".
ومن الكتب المهمة في هذا العلم كتاب "حرز الأماني ووجه التهاني" ل القاسم بن فيرة وهو عبارة عن نظم شعري لكل ما يتعلق بالقرّاء والقراءات ويعرف هذا النظم ب "الشاطبية" وقد وصفها الإمام الذهبي بقوله: " قد سارت الركبان بقصيدته وحفظها خلق كثير فلقد أبدع وأوجز وسهّل الصعب".
ومن الكتب المعتمدة في علم القراءات كتاب " النشر في القراءات العشر" للإمام الجزري وهو من أجمع ما كتب في هذا الموضوع وقد وضعت عليه شروح كثيرة وله نظم شعري بعنوان "طيّبة النشر".
ونختم هذا المقال بالقول: إن نسبة القراءات السبعة إلى القراء السبعة إنما هي نسبة اختيار وشهرة لا رأي وشهوة بل اتباع للنقل والأثر وإن القراءات مبنية على التلقي والرواية لا على الرأي والاجتهاد وإن جميع القراءات التي وصلت إلينا بطريق صحيح متواتر أو مشهور منزلة من عند الله تعالى وموحى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وجدنا أهل العلم يحذرون من تلقي القرآن من غير طريق التلقي والسماع والمشافهة. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين.
والآن إخواني الكرام أتمني ان تكون عمت الفائدة بمعرفة ما هي القراءات المتواترة عن علماء القرآن رضي الله عنهم جميعا .