الأول
قال تعالى: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم "3" ( سورة الحديد)
هو الأول قبل كل شيء، بلا بداية، والآخر بعد كل شيء بلا نهاية، وهو الموجود الواجب الوجود، الأول لكل ما سواه، المتقدم على كل ما عداه، وهذه الأولية، وهذا التقدم ليس بالزمان ولا بالمكان، ولا بأي شيء في حدود العقل أو محاط بالعلم. والله سبحانه وتعالى "ظاهر باطن" في كونه أولاً: هو الأول أظهر من كل ظاهر؛ لأن العقول تشهد بأن المتحدثات لها موجد متقدم عليها فهو تعالى ظاهر، تشهد به الحواس الظاهرية والغيبية، يقول الحق سبحانه: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق .. "53" (سورة فصلت)
ويقول جل علاه: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "190" الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً وسبحانك فقنا عذاب النار "191" (سورة آل عمران)
فهو الأول "أبطن من كل باطن"؛ لأنك إذا أردت أن تعرف حقيقة تلك الأولية عجزت، لأن كل ما أحاط به عقلك وعلمك فهو محدود، فيكون متناهياً، فتكون الأولية خارجة عنده، وليس في حدود العقل إلا أن يتدبر القرآن: نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين "60" (سورة الواقعة)
قيل: ويجوز أن يكون معنى: وما نحن بمسبوقين "60" (سورة الواقعة)
أنه هو الأول، لم يكن قبله شيء، فهو الأول قبل كل شيء فإن لم يكن أول قبل كل شيء لم يكن للشيء وجود، والأشياء بفعله وأمره وإرادته لا انتهاء لها. إذن: فهو الأول لأنه الواحد الذي لا شريك له، والواحد منه الانطلاق العددي والخلقي والكوني والحركي، وأوليته بلا بداية، فإذا نظرنا إلي وجود شيء نجد سبق الأولية فيه لله، وعندما ينتهي الشيء نجد انتهاءه بأمره، فهو الآخر، وعندما يبدأ الشيء نمواً وصعوداً يكون الأول، فأوليته أبدية وآخرته لا نهائية. وهو الأحد الذي لا يقبل التجزئة، وهو الواحد الذي منه انطلاق الخلق، وهو الأول قبل كل أول، والآخر بعد كل آخر، وهو الصمد الذي تفتقر إليه الخلائق، وهو المجيب لكل مطلوب لطالب.