48-باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين.
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً} ((الأحزاب:58)) وقال تعالى: {فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر} ((الضحى:9،10)).
وأما الأحاديث، فكثير منها:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الباب قبل هذا : "من عادى لى ولياً فقد آذنته بالحرب".
ومنها حديث سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه السابق في “باب ملاطفة اليتيم” وقوله صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك ".
389- وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى صلاة الصبح، فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشئ، فإنه من يطلبه من ذمته بشئ، يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم " ((رواه مسلم)).
49- باب إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائرهم إلى الله تعالى
قال الله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} ((التوبة: 5)).
390- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى" ((متفق عليه)) .
391- وعن أبي عبد الله طارق بن أشيم ، رضي الله عنه ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من قال لا إله إلا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله تعالى" ((رواه مسلم)).
392- وعن أبي المقداد بن الأسود، رضي الله عنه ، قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار، فاقتتلنا، فضرب إحدى يدى بالسيف، فقطعها، ثم لاذ منى بشجرة، فقال أسلمت لله، أأقتله يارسول الله بعد أن قالها؟ فقال: "لا تقتله، فإن قتلته، فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التى قال" ((متفق عليه)) . (1)
393- وعن أسامة بن زيد، رضي الله عنهما، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الحرقة من جهينة ، فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله ، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال لى: " يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟! قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا فقال ” أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!" فما زال يكررها على حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. ((متفق عليه)) .
وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقال : لا إله إلا الله وقتلته؟! قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!" فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. (2)
394- وعن جندب بن عبد الله، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا فكان رجلاً من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وأن رجلاً من المسلمين قصد غفلته، وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف ، قال: لا إله إلا الله، فقتله، فجاء البشير إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فسأله ، وأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع ، فدعاه فسأله، فقال: "لم قتلته؟ فقال: يا رسول الله أوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا -وسمى له نفراً- وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتلته؟" قال نعم : قال: "فكيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: يا رسول الله استغفر لي. قال: "وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ " فجعل لا يزيد على أن يقول: " كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة" ((رواه مسلم)).
395- وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يقول: "إن ناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحى قد انقطع، وإنما نأخذهم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً، أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شئ، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً، لم نأمنه، ولم نصدقه وإن قال: إن سريرته حسنة" ((رواه البخاري)).
50- باب الخوف
قال الله تعالى: {وإياي فارهبون} ((البقرة:40)) وقال تعالى: {إن بطش ربك لشديد} ((البروج:12)) وقال تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقى وسعيد فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} ((هود:102-106)) وقال تعالى : {ويحذركم الله نفسه} ((آل عمران:28)) وقال تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يؤمئذ شأن يغنيه} ((عبس:34-37))، وقال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم ، يوم ترونها تذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} ((الحج:1،2)) وقال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} ((الرحمن :46)) الآيات . وقال تعالى: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم، إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} ((الطور:25،28)) والآيات في الباب كثيرة جداً معلومات، والغرض الإشارة إلى بعضها وقد حصل.
وأما الأحاديث فكثيرة جداً، فنذكر منها طرفاً وبالله التوفيق.
396- وعن ابن مسعود، رضي الله عنه ، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفةً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقى أم سعيد. فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلى ذراع، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعلم أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" ((متفق عليه)) .
397- وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " (( رواه مسلم)).
398- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أحد أشد منه عذابا، وإنه لأهونهم عذابا" (( متفق عليه))
399- وعن سمرة بن جندب، رضي الله عنه، أن نبى الله، صلى الله عليه وسلم قال: " منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومن من تأخذ إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته" ((رواه مسلم)). (3)
.
400- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال" يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه" ((متفق عليه)) . (4)
401- وعن أنس، رضي الله عنه، قال: خطبنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" فغطى أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم وجوههم، ولهم خنين. ((متفق عليه)) .
وفي رواية: بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شئ فخطب ، فقال: "عرضت على الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيراً" فما أتى على أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه، غطوا رؤوسهم ولهم خنين. (5)
402- وعن المقداد، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: "تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل" قال سليم بن عامر الراوى عن المقداد: فوالله ما أدري ما يعني الميل، أمسافة الأرض أم الميل الذي يكحل به العين "فيكون الناس على قد أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقوبه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً" وأشار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيده إلى فيه ((رواه مسلم)).
8/403- وعن أبي هريرة، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم" ((متفق عليه)) . (6)
404- وعنه قال: كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذا سمع وجبة فقال: "هل تدرون ما هذا؟" قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر رمى به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن حتى انتهي إلى قعره، فسمعتم وجبتها" ((رواه مسلم)).
405- وعن عدى بن حاتم، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ماقدم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة" ((متفق عليه)) .
406- وعن أبي ذر رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله ،صلى الله عليه وسلم "إنى أرى ما لا ترون؛ أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأورن إلى الله تعالى" ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن)). (7)
(
407- وعن أبي برزة -براء ثم زاى- نضلة بن عبيد الأسلمى، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه" ((رواه الترمذي وقاال: حديث حسن صحيح)).
408- وعن أبي هريرة، رضي الله عنه ، قال: قرأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم {يومئذ تحدث أخبارها} ثم قال: "أتدرون ما أخبارها؟" قالوا الله ورسوله أعلم. قال: "فإن أخبارها أن تشهد كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول: عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها" ((رواه الترمذي وقال : حديث حسن)).
409- وعن أبي سعدي الخدرى، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم ، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ" فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فقال لهم:"قولوا :حسبنا الله ونعم الوكيل" ((رواه الترمذي وقال حديث حسن)). (9)
410- وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم "من خاف أدلج ، ومن أدلج، بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، إلا إن سلعة الله الجنة" ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن)). (10)
411- وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: " يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا" قلت: يا رسول الله الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: "يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك".
وفي رواية: "الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض" ((متفق عليه)) . (11)
51- باب الرجاء
قال الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} ((الزمر:53)) وقال تعالى:{وهل نجازي إلا الكفور} ((سبأ:17)) وقال تعالى: {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} ((طه:48)) وقال تعالى: {ورحمتى وسعت كل شئٍ} ((الأعراف:156)).
412- وعن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" ((متفق عليه)) .
وفي رواية لمسلم:"من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، حرم عليه النار".
413- وعن أبي ذر، رضي الله عنه ، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة، فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة، فجزاء سيئة سيئة مثلها أوغفر. ومن تقرب مني شبراً ، تقربت منها ذراعا، ومن تقرب منى ذراعاً ، تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي ، أتيته هرولة، ومن لقينى بقراب الأرض خطيئة لايشرك به شيئاً ، لقيته بمثلها مغفرة" ((رواه مسلم)). (12)
414- وعن أنس ، رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاذ رديفه على الرحل قال: "يا معاذ" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: "يامعاذ" قال :لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: "يا معاذ" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً، قال: "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار" قال: يا رسول الله أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: "إذا يتكلوا" فأخبر بها معاذ عند موته تأثما . ((متفق عليه)) . (13)
416 -وعن أبي هريرة -أو أبي سعيد الخدرى- رضي الله عنهما: شك الراوى، ولا يضر الشك في عين الصحابي: لأنهم كلهم عدول، قال لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، فقالوا : يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا، فأكلنا وادهنا؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "افعلوا" فجاء عمر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله إن فعلت، قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك البركة. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “نعم” فدعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجئ بكف ذرة، ويجئ الآخر بكف تمر، ويجئ الآخر بكسرةٍ حتى اجتمع على النطع من ذلك شئ يسير، فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم بالبركة، ثم قال: “خذوا في أوعيتكم فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه، وأكلوا حتى شبعوا وفضل فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك؛ فيحجب عن الجنة" ((رواه مسلم)).
417- وعن عتبان بن مالك، رضي الله عنه ، وهو ممن شهد بدراً ، قال: كنت أصلي لقومي بنى سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار، فيشق على اجتيازه قبل مسجدهم ، فجئت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت له : إنى أنكرت بصرى، وإن الوادي الذي بينى وبين قومى يسيل إذا جاءت الأمطار، فيشق على اجتيازه، فوددت أنك تأتي ، فتصلي في بيتي مكاناً أتخذه مصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"سأفعل"، فغدما على رسول الله ، وأبو بكر، رضي الله عنه بعد ما اشتد النهار، واستأذن رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك؟" فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، فكبر وصففنا وراءه، فصلى ركعتين، ثم سلم وسلمنا حين سلم، فحبسته على خزيرة تصنع له، فسمع أهل الدار أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم في بيتي، فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت، فقال رجل : ما فعل مالك لا أراه! فقال رجل: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا تقل ذلك، ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله تعالى ؟_ !" فقال: الله ورسوله أعلم، أما نحن فو الله ما نرى وده، ولا حديثه إلا المنافقين _! فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، "فإن الله قد حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" ((متفق عليه)) . (14)
418- وعن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه ، قال: قدم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجدت صبياً في السبي أخذته، فألزقته ببطنها، فأرضعته، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟” قلنا لا والله . قال: "لله أرحم بعباده من هذه الأم بولدها" ((متفق عليه))
419- وعن أبي هريرة، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم لما خلق الله الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي". (15)
((متفق عليه))
420- وعنه قال: سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم يقول: “جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءا واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه".
"وفي رواية: "إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تعالى تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة” ((متفق عليه)) .
ورواه مسلم أيضاً من رواية سلمان الفارسي، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لله تعالى مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم، وتسع وتسعون ليوم القيامة"
"وفي رواية: "إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء إلى الأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فيها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة، أكملها بهذه الرحمة”.
421- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يحكى عن ربه، تبارك وتعالى، قال: “أذنب عبدي ذنباً، فقال: اللهم اغفر لى ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدى ذنبا، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لى ذنبي، فقال، تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدى فليفعل ما شاء” ((متفق عليه)) . (16)
422- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم” ((رواه مسلم)).
423- وعن أبي أيوب خالد بن زيد، رضي الله عنه ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "لولا أنكم تذنبون ؛ لخلق الله خلقاً يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم" ((رواه مسلم)).
424- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: كنا قعوداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، معنا أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما في نفر، فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من بين أظهرنا، فأبطأ علينا، فخشينا أن يقتطع دوننا، ففزعنا، فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت ابتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتيت حائطاً للأنصار -وذكر الحديث بطوله إلى قوله: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، “اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله ، مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة” ((رواه مسلم)).
425- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، تلا قول الله عز وجل في إبراهيم، صلى الله عليه وسلم: {رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني} ((إبراهيم:36))، وقول عيسى، صلى الله عليه وسلم:{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} ((المائدة: 118))، فرفع يديه وقال: "اللهم أمتى أمتى” وبكى، فقال الله عز وجل:" " يا جيريل اذهب إلى محمد وربك أعلم، فسله ما يبكيه؟ “ فأتاه جبريل، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما قال: وهو أعلم، فقال الله تعالى: "يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسؤوك"
((رواه مسلم)).
426- وعن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم، على حمار فقال: " يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده، وما حق العباد على الله. ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال:"فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً، فقلت، يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال لا تبشرهم فيتكلوا" ((متفق عليه)) .
427- وعن البراء بن عازب، رضي الله عنهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: “المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} ((إبراهيم:27)) ((متفق عليه)) .
428- وعن أنس، رضي الله عنه ،عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الكافر إذا عمل حسنة، أطعم بها طعمة من الدنيا، أما المؤمن، فإن الله تعالى يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته".
وفي رواية: "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر، فيطعم بحسنات ما عمل لله تعالى، في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها" ((رواه مسلم)).
429- وعن جابر، رضي الله عنه قال: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات" ((رواه مسلم)). (17)
430- وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه". ((رواه مسلم)).
431- وعن ابن مسعود، رضي الله عنه ، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة نحوا من أربعين ، فقال: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟" قلنا نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا: نعم، قال: "والذي نفسى محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر" ((متفق عليه)) .
432- وعن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهودياً أونصرانياً فيقول: هذا فكاكك من النار".
وفي رواية عنه عن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: "يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم " ((رواه مسلم)). (18)
.
433- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: رب أعرف قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته" ((متفق عليه)) . (19)
434- وعن ابن مسعود، رضي الله عنه ، أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فأنزل الله تعالى: { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات } ((هود:114)) فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله؟ قال " لجميع أمتى كلهم" ((متفق عليه)) .
435- وعن أنس، رضي الله عنه ، قال: جاء رجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أصبت حداً، فأقمه علي، وحضرت الصلاة، فصلى مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما قضى الصلاة قال : يارسول الله إنى أصبت حداً، فأقم في كتاب الله. قال “هل حضرت معنا الصلاة؟" قال: نعم . قال: قد غفر لك" ((متفق عليه)). (20)
.
436- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشربة، فيحمده عليها" ((رواه مسلم)). (21)
437- وعن أبي موسى، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" ((رواه مسلم)).
238- وعن أبي نجيح عمرو بن عبسة -بفتح العين والباء- السلمي، رضي الله عنه ، قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شئ، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً، فقعدت على راحلتى، فقدمت عليه، فإذا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم مستخفياً، جرءاء عليه قومه ، فتلطف حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له : ما أنت؟ قال: "أنا نبي" قلت: وما نبي ؟ قال: "أرسلني الله" قلت: وبأي شئ أرسك؟ قال "أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شئ: قلت: فمن معك على هذا؟ قال: "حر وعبد" ومعه يومئذ أبو بكر وبلال، رضي الله عنهما، قلت: إني متبعك، قال: "إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني" قال: فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة، وكنت في أهلي، فجعلت أتخبر الأخبار، واسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم نفر من أهلي المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: "نعم أنتالذي لقيتني بمكة" قال: فقلت يا رسول الله أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرنى عن الصلاة؟ قال :” صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح، فإنه تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإنه حينئذ تسجر جهنم؛ فإذا أقبل الفيء فصل؛ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار" قال: فقلت: يا نبى الله ؛ فالوضوء حدثنى عنه؟ فقال: "ما منكم رجل يقرب وضوءه، فيتمضمض ويستنشق فينتثر، إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله ، إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ، إلاخرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه، إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قديمه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل ، وفرغ قلبه لله تعالى، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه".
فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله، فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول! في مقام واحد يعطى هذا الرجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت سني، ورق عظمي ، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله تعالى، ولا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لو لم اسمعه من رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً، حتى عد سبع مرات، ماحدثت أبداً به، ولكني سمعته أكثر من ذلك ((رواه مسلم)). (22)
(23) (24)
439- وعن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أراد الله تعالى، رحمة أمةٍ ، قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها، وإذا أراد هلكة أمةٍ، عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو حى ينظر، فأقر عينه بهلاكها حين كذبوه وعصوا امره" ((رواه مسلم)).
52- باب فضل الرجاء
قال الله تعالى إخباراً عن العبد الصالح: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد، فوقاه الله سيئات ما مكروا} ((غافر:44،45)).
440- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ قال الله، عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إلي شبراً، تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً، تقربت إليه باعاً، وإذا أقبل إلي يمشي، أقبلت إليه أهرول" ((متفق عليه)) . وهذا لفظ إحدى روايات مسلم. وتقدم شرحه في الباب قبله.
وروي في الصحيحين : "وأنا معه حين يذكرني" بالنون، وفي هذه الرواية "حيث” بالثاء وكلاهما صحيح.
441- وعن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما ، أنه سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، قبل موته بثلاثة أيام يقول : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل" ((رواه مسلم)).
442- وعن أنس ، رضي الله عنه قال:” سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا أبن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن آدم، إنك لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك به شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة" ((رواه الترمذي. وقال حديث حسن)).
"عنان السماء" بفتح العين، قيل هو ما عن لك منها، أي: ظهر إذا رفعت رأسك ، وقيل: هو السحاب. و"قراب الأرض" بضم القاف، وقيل بكسرها، والضم أصح وأشهر، وهو ما يقارب ملأها، والله أعلم.
52- باب الجمع بين الخوف والرجاء
أعلم أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفاً راجياً، ويكون خوفه ورجاؤه سواء، وفي حال المرض يمحض الرجاء. وقواعد الشرع من نصوص الكتاب والسنة وغير ذلك متظاهرة على ذلك.
قال الله تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} ((الأعراف:99)) وقال تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} ((يوسف:87)) وقال تعالى: { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} ((آل عمران :106)) وقال تعالى: {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} ((الأعراف:167)). وقال تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم} ((الانفطار:13، 14)) وقال تعالى: {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية} ((القارعة:6، 9)) والآيات في هذا المعنى كثيرة. فيجتمع الخوف والرجاء في آيتين مقترنتين أو آيات أو آية.
443- وعن أبي هريرة، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد” ((رواه مسلم)).
444- وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضعت الجنازة واحتملها الناس أو الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: فدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة، قالت يا ويلها! أين تذهبون بها؟ يسمع صوته كل شئ إلا الإنسان، ولو سمعه صعق" ((رواه البخاري)).
445- وعن ابن مسعود، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، “الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك" ((رواه البخاري)).
54- باب فضل البكاء
قال الله تعالى: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} ((الإسراء: 109)) وقال تعالى: {أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولاتبكون} ((النجم:59، 60)).
446- وعن ابن مسعود، رضي الله عنه ، قال: قال لي النبي، صلى الله عليه وسلم، “اقرأ علي القرآن” قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟! قال:"إنى أحب أن أسمعه من غيري” فقرأت عليه سورة النساء، حتى جئت إلى هذه الآية (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} ((النساء:41)) قال: "حسبك الآن" فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان . ((متفق عليه)) .
447- وعن أنس، رضي الله عنه ، قال: خطب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" قال : فغطي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم، ولهم خنين ، ((متفق عليه)) ، وسبق بيان في باب الخوف.
448- وعن أبي هريرة، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم” ((رواه الترمذي: وقال حديث حسن صحيح)).
449- وعنه قال: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إنى أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه” ((متفق عليه)) .
405- وعن عبد الله بن الشخير، رضي الله عنه ، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزير المرجل من البكاء. ((حديث صحيح رواه أبو داود، والترمذي بإسناد صحيح)).
451- وعن أنس، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأبي بن كعب، رضي الله عنه :"إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك: لم يكن الذين كفرو" قال: وسماني؟ قال: “نعم” فبكى أبي. ((متفق عليه)) .
((وفي رواية: فجعل أبي يبكى)).
452- وعنه قال: قال أبو بكر لعمر، رضي الله عنهما، بعد وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن ، رضي الله عنها، نزورها كما كان يزورها ، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله، صلى الله عليه وسلم قالت: إنى لا أبكي ، أني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنى أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. ((رواه مسلم وقد سبق في باب زيارة أهل الخير)).
453- وعن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعه، قيل له في الصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس" فقالت عائشة، رضي الله عنها : إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن غلبه البكاء، فقال : "مروه فليصل".
وفي رواية عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء. ((متفق عليه)) .
454- وعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه ، أتي بطعام وكان صائما، فقال: قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه، وهو خير مني، فلم يوجد له ما يكفن به إلا بردة إن غطى بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطى بها رجلاه بدا رأسه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط -أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا -قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا. ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. ((رواه البخاري)).
455- وعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شئ أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله تعالى، وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى" ((رواه الترمذي.وقال حديث حسن)).
وفي الباب أحاديث كثيرة، منها..
456- حديث العرباض بن سارية، رضي الله عنه ، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون.
55- باب فضل الزهد في الدنيا
والحث على التقلل منها، وفضل الفقر
قال الله تعالى: {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون} ((يونس:24)). وقال تعالى {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدراً المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخيراً أملاً} ((الكهف:45، 46)) وقال تعالى:{اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} ((الحديد:20)) وقال تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عند حسن المآب} ((آل عمران: 14)) وقال تعالى: {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} ((لقمان:33)) وقال تعالى: {ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر، كلا سوف تعلمون ، ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين} ((التكاثر:1-5)) وقال تعالى: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} ((العنكبوت: 64)) والآيات في الباب كثيرة مشهورة.
وأما الأحاديث: فأكثر من أن تحصر فننبه بطرف منها على ما سواه.
457- عن عمرو بن عوف الأنصاري، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث أبا عبيدة بن الجراح، رضي الله عنه ، إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين ، فسمعت الأنصار بقدوم أبو عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، انصرف فتعرضوا له ، فتبسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: “أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشئ من البحرين؟” فقالوا: أجل يا رسول الله فقال: “أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم” ((متفق عليه)) .
458- وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه ، قال : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، على المنبر، وجلسنا حوله، فقال: "إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها” ((متفق عليه)) .
459- وعنه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" ((رواه مسلم)).
460- وعن أنس ، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:”اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" ((متفق عليه)) .
461- وعنه عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم قال: “يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله: فيرجع اثنان ويبقى واحد: يرجع أهله وماله ويبقى علمه". ((متفق عليه)) ؟.
462- وعنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم : “يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنياً من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مربك شدة قط؟ فيقول: لا، والله، ما مر بى بؤس قط، ولا رأيت شدة قط" ((رواه مسلم)).
463- وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:”ما الدنيا في الآخرة، إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع؟" ((رواه مسلم)).
464- وعن جابر، رضي الله عنه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مر بالسوق والناس كنفتيه، فمر بجدى أسك ميت، فتناوله، فأخذ بأذنيه، ثم قال: "أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟ " فقالوا: ما نحب أنه لنا بشئ ومانصنع به؟ ثم قال: “أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً؛ أنه أسك. فكيف وهو ميت _! فقال: "فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم" ((رواه مسلم)). (25)
465- وعن أبي ذر رضي الله عنه ، قال كنت أمشى مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة بالمدينة ، فاستقبلنا أحد فقال: "يا أبا ذر" قلت: لبيك يا رسول الله. فقال: "ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضى علي ثلاثة أيام وعندي منه دينار، إلا شئ أرصده لدين، إلا أن أقول له به في عباد الله هكذا، وهكذا وهكذا" عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، ثم سار فقال: "إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا" عن يمينه وعن شم